هل حللنا "برشلونة بيب" جيدا ؟ .. أم أننا بالغنا قليلا ؟
بعد ساعات قليلة سوف يتم تسليم جائزة أفضل لاعب في العالم لواحد من ثلاثي البارسا أو " جواهر لاماسيا " كما يحلوا لمحبي الكيان العريق تسميتهم , و قبل أيام سحق برشلونة ريال مدريد أو لنكون أكثر دقة سحق برشلونة مورينهو , لأن ريال مدريد بات لا يمثل تحديا للبارسا أصلا , و تحتفظ ذاكرتنا بصور صعود البارسا لجميع المنصات التي أعدت لتسليم الكؤوس في مختلف البطولات , السداسية التاريخية قبل أشهر , و بعدها الحصول على اللقب المحلي بعد إسكات أفواه سكان مدريد مجددا , و الوصول لدور الأربعة بعد سحق أحد فرق أوروبا القوية , آرسنال الإنجليزي , و بعد مباراتين أمام "إنتر ميلان الدفاعي" خرج برشلونة من دوري الأبطال مرفوع الرأس , كل ذلك و بكرة قدم لم يشهد العالم لها مثيل من قبل و بشهادة أغلب المحللين , إذا هذا البارسا هو أفضل فريق في التاريخ , هذا هي الخلاصة التي تسعد الآذان في كتلونيا بسماعها , ناهيك عن مقولات مماثلة تخص ميسي و تشافي وغوارديولا و إعتبار كل منهم الأفضل في مجاله على مر عصور كرة القدم .
لكن هل ذلك تحليل دقيق لبرشونة بيب غوارديولا ؟ , في عالم كرة القدم يتأثر الناس بما تراه أعنينهم و بذاكرتهم القصيرة فلا يتعبون عقولهم بكثير من التحليل , قبل أيام سمعنا خبر إقالة رافئيل بينيتز من تدريب إنتر ميلان في منتصف الموسم حتى بدون إعطاءه فرصة لإبراز مواهبه في الحصول على نتائج أوروبية مميزة , تماما و كأنه إسم صغير لا يستحق الكثير من الفرص, و بدا ذلك و فجأة مقبولا لدى الجميع ! , مع أنه كان لبدو جنونا لو كان بينيتز إنتقل لتدريب الإنتر بعد تأهله للعب نهائي دوري الأبطال رفقة ليفربول متخطيا برشلونة و " مورينهو " عام 2007 أو بعد منافسته للمان بصورة جدية على لقب الدوري الإنجليزي و تقديمه لبطولة أوروبية جيدة عام 2009 , و لكن - و بالرغم من أن ظروف ليفربول كانت غاية في السوء - فقد تم نسيان كل ذلك و إعتبر رافائيل بينتز مدربا عاديا و قابلا للطرد في منتصف الموسم و تم إستجلاب الشاب "ليوناردو" ليجلب مستقبلا أفضل للإنتر! بناءا على موسم بينيتز الأخير مع ليفربول .
مثال آخر أكثر قربا للبرسا , رونالدينهو , هذا اللاعب و تحت تأثير حمى "الإستمتاع" بسحره تم الترويج له على أنه اللاعب الأفضل في زمانه - و البعض قال في التاريخ - ووضع أمام زين الدين زيدان و رونالدو و بسبب الإنجذاب لسحره تم تجاهل أدوار لاعبين آخرين ساهموا في صنع أمجاد البارسا حينها كصامويل إيتو , و الآن بعد أن هدأ "جنون" مهاراته و فنياته , عاد الكل إلى رشده و بات الجميع يضع الرجل في موقعه الطبيعي كلاعب أسطوري لكنه لا يقارن حتى بزين الدين زيدان .
أستشهد بهذين المثالين ليس - كما يبدو - توقعا مني لنسيان العالم لما يفعله البارسا حاليا بسرعة , كلا , لأن إنجازات الفرق ليست مثل إنجازات اللاعبين تتذكرها جماهير الفريق و تروج لها صحافته لذلك فهي لا تنسى , و لكني أستشهد بهذين المثالين لأدلل على أن الرأي العام بين جماهير كرة القدم لا يستند في معظمه على المنطق , بل على الأحداث التي سرعان ما ينساها الجميع ليغيروا رأيهم , لذلك فإن هذا الزخم العالمي الذي يلقاه البارسا الآن لا يجب أن نغتر به , فإن لم يقم برشلونة بكتابة كل شيء بلغة التتويجات , فإن أحدا لن يذكره بشيء غيرها مستقبلا .
هذا البارسا قد تم تضخيمه بصورة كبيرة , تم إعطاءه من الأوصاف ما ليس له , بشكل غير دقيق و عاطفي , فأن تلعب "أجمل" كرة قدم لا يعني أنك الفريق الأفضل أو بمصطلح أكثر دقة الفريق "البطل" , حسنا , برشلونة بيب غوارديولا و بدون أي شك أو نقاش لعب الكرة الأكثر جمالا و إبداعا و إمتاعا , و تمكن بهذه الكرة أن يسحق منافسه " المحلي" - حيث لم يعد لريال مدريد دور قاري يذكر - و سيطر على إسبانيا بلا منافسة أو مضايقة حتى , لكن هل يجعله ذلك الفريق الأفضل في العالم حاليا ؟ ناهيك عن الفريق الأفضل في التاريخ !؟ , كلا , الأمر يتطلب أن يخرج البارسا ليأتي برؤوس كبار القارة , و هذا ما لم يتمكن برشلونة من فعله حتى الآن , فالعام الماضي أقصى إنتر ميلان برشلونة بعدما إعتمد على أسلوب دفاعي محكم , لم يتمكن برشلونة من فك شفرته , و بدا عاجزا , و لا عجب , فهذا البارسا بدا عاجزا عن إحراز الأهداف في مرمى ريال مدريد و في الكامب نو موسم 2008\2009 علما أن الريال يومها لعب ناقصا من جميع عناصرا تقريبا ! , مع العلم أن الريال لم يكن حينها بذلك الفريق القوي حتى بعناصره كاملة .
الآن لم يتبقى لنا إلا موسم السداسية و تحيدا مواجة البارسا لتشيلسي , ليس لأنني أريد أن أختزل كل شيء بأحداث محددة , و لكن لأنه - و بقلة منطق - قمتم يا سادة بتتويج فريق بكل شيء بناءا على موسمين فقط ! , فبما أن برشلونة لم هزم على يد إنتر ميلان الذي لعب بنفس طريقة تشيلسي , فإنه سيكون من السذاجة أن نستند في إطلاق أحكامنا على مباراة أقيمت في ستانفورد بريدج و إعتبرت الأكثر إثارة للجدل - أو الشكوك كما يقول مشجعوا تشيلسي - أن نستند على مباراة ما زال التشلساويون - و بتأييد عريض من كثير ممن شاهدها - يعتبرونها حادثة " سطو " قام بها توم نيمينغ الحكم .
هذا البارسا و بجميع فئاته السنية يلعب بنفس الطريقة و الرسم التكتيكي , ليس ذلك فحسب بل إن كشافي البارسا يبحثون عن مواهب بنوعية محددة , حيث لن تجد لا في برشلونة و لا في لامسيا لاعب وسط واحد يمتاز بالقوة البدنية , و لكن جميعهم يمتازول بفنيات تمرير مميزة , هذا هو سلاح البراسا السري .
حيث لم يسبق أن شاهدنا نجوما شابه تتألق بهذه السرعة و جميعها في فريق واحد , ميسي , إنيستا , بوسكيس , بيدرو , بيكي , و حتى تياغو ألكانتيرا - آخر جواهر لاماسيا - ظهر بشكل رائع منذ أول أيامه , و بيب غوارديولا مثلهم , لم يقضي وقتا كمدرب جديد بل بدى و منذ أول أيامه قادرا على جعل برشلونة يلعب جيدا , مثلما كان قادرا على جعل برشلونة بي يفعل ! , فقط تخلص من ديكو و رونالدينو الذين لم يسبق لهما اللعب هناك , فوائد هذه الفلسفة التي أسسها يوهان كرويف هي بالإضافة للتألق السريع لشباب الناي أن الفريق يلعب بشكل هجومي ممتاز و دفاعي متماسك , و لكنها لم تثبت بعد أنها الفلسفة التي سينتج عنها أفضل فريق في العالم , و سأستند هنا عن مقالة كتبها يوهان كرويف نفسه قبل مباراة الستانفورد بريدج حين ذكر أن الفوز و التأهل للنهائي سوف يجعل فلسفة برشلونة تثبت أنها الأفضل و سوف يقوم الجميع بتقليدها , و بدا واثقا من حدوث ذلك مستندا إلى توقعه بأن تشيلسي لن يستطيع أن يدافع هذه المرة أيضا , لم يحدث شيء مما توقعه كرويف اللهم إلا تأهل البارسا ! , حيث هدد تشيلسي مرمى فالديز بصورة مكثفة , و لم يبدو البارسا إطلاقا قادرا على تهديد مرمى تشيك , و لم تنجح فلسفة برشلونة - و قام الإنتر في العام التلي بتأكيد ذلك مرة أخرى عندما لم يدافع في مباراتين كذلك !! - و لكن ما كان يشتكي منه كرويف دائما " الفوز بدون إقناع " هو ما قام به البارسا و قامت جماهيره بترديد العبارة التي طالما إستاءت منها " المهم أننا فزنا في النهاية , الأسلوب لا يهم " ! .
برشلونة يمر بفترة رائعة , و لديه الكثير من الإيجابيات , و لكنه لم يصل للقمة بعد , و حالة التطبيل المبالغ فيه التي تسود حاليا تضر البارسا أكثر من أي شخص آخر , فغوارديولا لن يملك لاعبا كتشافي إلى الأبد و السنوات تمر , و البارسا لن يكون قادرا على تحقيق بطولة دوري أبطال أوروبا بدون تحديث شيء ما في أسلوبه , تماما كما فعل ديل بوسكي مع منتخب إسبانيا , حيث ما كان ليتغلب على ألمانيا تحديدا لو لعب كما تلعب البارسا .
على ذكر منتخب إسبانيا فإنني سأختم بما بدأت به , حيث يجب الإشارة إلى أن ما يحدث من تضخيم لحادثة ترشيح الثلاثي ميسي , تشافي و إنيستا - و الجميع يعلم أن إنيستا و تشافي تم ترشيحهما نتيجة لإنجازات المنتخب - ليست إلا دليلا إضافيا على الرغبة العارمة لدى الكاتالونيين في صناعة أمجاد من سراب , ما وصف به فريق - لم يصل إلى نهائي الأبطال - بأنه الأفضل في العالم , و مقارنة ثنائي إسبانيا و ميسي "بثلاثي الميلان " إلا دليل على سيطرة صناعة الوهم .
